غالبا ما يكون الصباح باكر في منزل ريفي شيد بالياجور , ليس اليجور الذي نعرفه اليوم و لكن لابد ان يكون يجورا من نوع أخر , لا أعرف فقد وجدت ذلك المنزل في تلك البقعة من الأرض وقد ورث العديد من التشققات من الزمن الماضي , من كثرة ما مر من داخله من مشاحنات ,
أستيقظ كما العادة فتتبين لي تلك المدرسة الخربة من فوق التلة , نعم خربة حتى أننا كنا نقوول لأبائنا بعض الأحيان لن ذهب إليها فهي مسكونة ونخاف من "الجنون" هكذا مرت العديد من الأيام ما بين تأخر عن المدرسة بسبب منبه لم ينطلق في الصباح , أثار أن يقوم بإضراب عام , أو بين ليلة شتوية قارسة , وتعرفون كيف تكون مثل تلك الليالي حيث تتوقع على نفسك في مكان تعتقد أنه دافئ , لتجد نفسك في مستنقع من مستنقعات سيريا .
بعد أن إستقظت على رائحة النعناع , تحاول أن تجمع ما تفرق من أدواتك البارحة بعد أن صنعت منها دمى تلعب بها أنت و أحد ما من إخوانك إن كان موافقا طبعا و إلا قامت حرب مكان اللعب و تحول الساحة فأصبحت ساحة وغى , فتسمع صوت أحد من الكبار يتوعد من خلف الستار , التي لم تكن هي الأخرى إلا أتار قديما من أثار الزمان لم يعد أحد يلبسها من فرط الذكريات التي تحلها فأصبحوا يمسحون بها ما بقي من غبار ذلك الزمان الذي ما فتأ يطارده دائما .
وما إن تسمع ذلك الوعيد إلا و تنزع صندالك من تحت رجليك إن كنت تلبسه أصلا , فتتخد لك مخبأ متواريا , عن كل شئ , فإن كنت محظوظ الحال , فستنام بعد مدة وسبحثون عنك عند مغيب الشمس عندما تعد الأم أولدها في المنزل كما تعد الدجاجة فراخها .
بعد أن تجمع أدواتك و تأخد معك خبزا مزيتا , تتخد لك طريقا , فتركض إلى المدرسة و لمصابك يا عزيزي إن وصلت و قد دخل الأطفال إلى القاعة وتبوء المعلم مقغده عند السبورة , فسيكون جزاءك يسيرا و عقابك سيكون حديث اليوم و الفقرة المفضلة عندك أصحابك , خاصة إذا بكيت فستكره المدرسة لأسبوعين وأكثر وستتجاهل التحدث مع اي أحد أيام معدودات وهناك من يستمر في تلك الحالة فتصبح شخصيته و هناك من لايهمه الأمر أصلا .
أما مكان يهمنا أكثر في تلك الخربة التي تعلمنا فيها الكثير , شيئين لا ثالث لهما ساحة اللعب التي كانت أكبر من ساحة منزلنا و مطعم المدرسة , حيث نأكل عدسا وسمكا في الكثير من الأيام .
فالتاني كرهناه يوم أصبحنا نأكل فيه و نقوم فيه ببعض المرجعة , أما الساحة فقد زرتها الصيف الماضي فوجدتها قد بلطت و فرقت على شكل مربعات , ولم تبقى تلك الساحة التي كنا نلعب فيها عندما كنا صغارا .
ربما سيعتزل هؤلاء الأطفال اللعب فقط لأن راشد ما بالغ في رشده وتدهل في غير شؤونه ولم يفكر يوما أن تلك الساحة هي التي يحبها الأطفال لا الأقسام المبلطة ببلاط يشبه بلاط المحافل المسونية و لا يعطي أي رونق , بل يجعلها أكثر كآبة .
لقد سرقوا منهم السعادة و لعجب إن هرب الكثير منهم من المدرسة , فهي مجرد وسيلة لغسل الدماغ في نظرهم . ففي بلدي لا يستشيرون أحدا حين القيام بشئ ما , فقط يقمون به وعندما تظهر النتائج يلمون المجتمع والفقر .